فصل: ذِكْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ فِيهَا عَلَى الْخُفَّيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ فِيهَا عَلَى الْخُفَّيْنِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ أَنْ يَمْسَحَ فِيهَا عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ عَلَى خُفَّيْهِ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، هَكَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ لِلشَّافِعِيِّ، وَكَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِ مَالِكٍ.
458- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا زُهَيْرٌ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَأَمَرْنَا نُبَاتَةَ الْوَالِبِيَّ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ، وَكَانَ أَجْرَأَنَا عَلَيْهِ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَوْمٌ إِلَى اللَّيْلِ لِلْمُقِيمِ فِي أَهْلِهِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ.
459- حَدَّثَنَا يَحْيَى، ثنا أَبُو عُمَرَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْمُسَافِرُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
460- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا لَيْسَ لِذَلِكَ وَقْتٌ. رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ، فَرُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ كَالْقَوْلِ الثَّانِي، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يُؤَقِّتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقْتًا، لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فِي الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ، وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ بُكَيْرٍ مُذْهَبَهُ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ، قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِلَى الْعَامِ الَّذِي قَالَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ أَقَامَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ الْحِكَايَاتِ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْمَسْحَ، وَيَقُولُ: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ مَا بَدَا لَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَكْثَرُ مَنْ بَلَغَنِي عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٌ يَرَوْنَ أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ كَمَا يَشَاءُ. وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ غَازٍ صَلَّى فِي خُفَّيْهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً لِثَلَاثِ لَيَالٍ وَأَيَّامِهِنَّ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ، قَالَ: مَضَتْ صَلَاتُهُ لِمَا جَاءَ مِنَ الْقَوْلِ فِي سَلْمَانَ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقْتًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ هَذَا مَذْهَبُهُ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَخَرَجْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَدَخَلْتُ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَتَى أَوْلَجْتَ خُفَّيْكَ فِي رِجْلَيْكَ؟ قُلْتُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَهَلْ نَزَعْتَهُمَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى أَنَّهُ قَالَ: أَصَبْتَ وَلَمْ يَقُلِ السُّنَّةَ.
461- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَذَكَرَهُ.
462- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: امْسَحْ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَا لَمْ تَخْلَعْهُمَا. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى اللَّيْلِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا اسْتَتَمَّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ، إِذْ ثَابِتٌ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَذِنَ أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثًا.
463- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: جَعَلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا لِلْمُقِيمِ، وَلَوْ مَضَى السَّائِلُ فِي مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهُ خَمْسًا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ، وَأَبُو بَكَرَةَ، وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ ذَكَرْتُ أَسَانِيدَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.

.ذِكْرُ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ الْغُسْلِ أَوِ الْمَسْحِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْغُسْلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُفْتَرَضُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَالْمَسْحُ رُخْصَةٌ فَالْغَاسِلُ لِرِجْلَيْهِ مُؤَدٍ لِمَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ، وَالْمَاسِحُ عَلَى خُفَّيْهِ فَاعِلٌ لِمَا أُبِيحَ لَهُ، رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى خِفَافِهِمْ، وَخَلَعَ هُوَ خُفَّيْهِ وَتَوَضَّأَ، وَقَالَ: إِنَّمَا خَلَعْتُ؛ لِأَنَّهُ حُبِّبَ إِلَيَّ الطُّهُورُ، وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ، وَيَقُولُ: أَحَبُّ إِلَيَّ الْوُضُوءُ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَمُولَعٌ بِغَسْلِ قَدَمَيَّ، فَلَا تَقْتَدُوا بِي.
464- حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ جَبْرَ بْنَ حَبِيبٍ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُمَرَ، نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي الْعَقَارِبِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا، وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ.
465- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا سَعِيدٌ، ثنا هُشَيْمٌ، أنا مَنْصُورٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَفْلَحَ، مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَأْمُرُنَا بِالْمَسْحِ وَأَنْتَ تَغْسِلُ، قَالَ: بِئْسَ مَالِي أَنْ كَانَ مَهْنَاهُ لَكُمْ وَمَأْثَمُهُ عَلَيَّ رَأَيْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَيَأْمُرُ بِهِ، وَلَكِنْ حُبِّبَ إِلَيَّ الْوُضُوءُ.
466- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثنا سَعِيدٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنِّي لَمُولَعٌ بِغَسْلِ قَدَمَيَّ فَلَا تَقْتَدُوا بِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَفْضَلُ مِنْ غَسْلِ الرَّجُلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا مِنَ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَعَنَ فِيهَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، فَكَانَ إِحْيَاءُ مَا طَعَنَ فِيهِ الْمُخَالِفُونَ مِنَ السُّنَنِ أَفْضَلُ مِنْ إِمَاتَتِهِ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُقْبَلَ رُخَصُهُ» وَتَقُولُ عَائِشَةُ: مَا خُيِّرَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، وَمِمَّنْ رَوَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَفْضَلُ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالنُّعْمَانُ يَقُولَانِ: إِنَّا لَنُرِيدُ الْوُضُوءَ فَنَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ حَتَّى نَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، وَرُوِّينَا عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَغِبَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَدْ رَغِبَ عَنْ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَبَّهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ وَأَحْدَثَ بِالْحَانِثِ فِي يَمِينِهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْحَانِثُ فِي يَمِينِهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ، وَإِنْ شَاءَ كَسَا، وَيَكُونُ مُؤْدِيًا لِلْفَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ، وَقَدْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ إِنْ مَسَحَ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مُؤَدٍ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَحْدَثَ، وَلَا خُفَّ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ.

.ذِكْرُ الطَّهَارَةِ الَّتِي مَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ:

ثَابِتٌ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَمَّا أَهْوَى إِلَيْهِ لِيَنْزِعَ خُفَّيْهِ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
467- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ.
468- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَالْحَدِيثُ لَهُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ، فَذَكَرَ الْوُضُوءَ قَالَ: ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَطَهَّرَ فَأَكْمَلَ طُهُورَهُ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ غَسْلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، فَأَدْخَلَ الرَّجُلُ الْمَغْسُولَةَ فِي الْخُفِّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، وَأَدْخَلَهُمَا الْخُفَّ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِنْ أَحْدَثَ وَهَذِهِ حَالَتُهُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ الْخُفَّ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الطَّهَارَةَ، وَيَحِلُّ لَهُ الصَّلَاةُ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَهُمَا، وَهُمَا طَاهِرَتَانِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ لِمَنْ هَذِهِ حَالَتُهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، هَذَا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالْمُزَنِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ، بِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَّ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، فَقَدْ طَهُرَتْ رِجْلَهُ الَّتِي غَسَلَهَا، فَإِذَا أَدْخَلَهَا الْخُفَّ فَقَدْ أَدْخَلَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ الْأُخْرَى مِنْ سَاعَتِهِ وَأَدْخَلَهَا الْخُفِّ، فَقَدْ أَدْخَلَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ، فَقَدْ أَدْخَلَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ رِجْلَيْهِ الْخُفَّ، وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا بِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ قَدَمَيْهِ، وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، قَالَ وَالْقَائِلُ بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ قَائِلٌ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ يَخْلَعَ هَذَا خُفَّيْهِ، ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا مَعْنًى.

.ذِكْرُ الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ بِهِ لَابِسُ الْخُفَّيْنِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْتَسِبُ بِهِ مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَحْتَسِبُ بِهِ مَنْ وَقَّتَ مَسْحَهُ عَلَى خُفَّيْهِ تَمَامَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ، وَإِلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ مَنْ وَقَّتَ مَسْحَهُ فِي السَّفَرِ. هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ قَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ عَلَى خُفَّيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً» فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الْمَسْحِ، لَا وَقْتُ الْحَدَثِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْحَدَثِ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَيْرِ قَوْلِهِ إِلَّا بِخَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ أَوْ إِجْمَاعٍ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصٍ، وَمِمَّا يَزِيدُ هَذَا الْقَوْلَ وُضُوحًا وَبَيَانًا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ: يَمْسَحُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي تَوَضَّأَ فِيهَا.
469- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ عُمَرَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى قَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمَوْضِعَهُ مِنَ الدِّينِ مَوْضِعَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدِي» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الْحَدَثِ. هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَعَلَى هَذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ مَسَائِلَهُ إِلَّا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ تَرَكَ أَصْلَهُ فِيهَا، وَأَجَابَ بِمَا يُوجِبُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي الْحَضَرِ فَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى خَرَجَ إِلَى السَّفَرِ صَلَّى بِمَسْحِهِ فِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَمَنْ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ إِذَا لَزِمَهُ مَسْحُ الْحَضَرِ، فَسَافَرَ لَمْ يُصَلِّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ يَخْلَعُ وَهَذَا قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ مَسْحِ الْحَضَرِ بِوَقْتِ الْحَدَثِ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى خُفَّيْهِ يَسْتَتِمُّ بِالْمَسْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ لَا يَمْسَحُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ،.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَهُمْ فِي بَابٍ قَبْلُ. وَتَفْسِيرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَمْسَحُ مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الْحَدَثِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ، ثُمَّ يُحْدِثُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ إِلَّا مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ غَدٍ، وَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ غَدٍ وَجَبَ خَلْعُ الْخُفِّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ، فَلَمَّا أَحْدَثَ هَذَا فَأُبِيحَ لَهُ الْمَسْحُ، وَلَمْ يَمْسَحْ وَتَرَكَ مَا أُبِيحَ لَهُ إِلَى أَنْ جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ فَقَدْ تَمَّ الْوَقْتُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ فِيهِ الْمَسْحُ، وَجَبَ خَلْعُ الْخُفِّ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي مَسَحَ، وَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَقُولِ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ لَمَّا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ نَظَرْنَا إِلَى أَقَلِّ مَا قِيلَ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَقُلْنَا بِهِ، وَتَرَكْنَا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا اخْتَلَفُوا لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا إِلَّا أَقَلُّ مَا قِيلَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ.